فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أي تنقلت بأعراضهم، وقيل ما يسد الجوع من السكر فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه. {إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل في الآيات.
{وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} ألهمها وقذف في قلوبها، وقرئ {إلى النحل} بفتحتين. {أَنِ اتخذي} بأن اتخذي ويجوز أن تكون {أن} مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول، وتأنيث الضمير على المعنى فإن النحل مذكر. {مِنَ الجبال بُيُوتًا وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} ذكر بحرف التبعيض لأنها لا تبني في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش من كرم أو سقف، ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتًا تشبيهًا ببناء الإنسان، لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها أحذق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة، ولعل ذكره للتنبيه على ذلك وقرئ {بُيُوتًا} بكسر الباء، وقرأ ابن عامر وأبو بكر: {يَعْرُِشُونَ} بضم الراء.
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها. {فاسلكي} ما أكلت. {سُبُلَ رَبّكِ} في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلًا من أجوافك، أو {فاسلكي} الطرق التي ألهمك في عمل العسل، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك {سُبُلَ رَبّكِ} لا تتوعر عليك، ولا تلتبس. {ذُلُلًا} جمع ذلول وهي حال من السبل، أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك، أو من الضمير في أسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به. {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس، لأنه محل الإِنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم. {شَرَابٌ} يعني العسل لأنه مما يشرب، واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلًا، ثم تقىء ادخارًا للشتاء، ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار، وتضعها في بيوتها ادخارًا فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه.
{مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أبيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل. {فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية، أو مع غيره كما في سائر الأمراض، إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه، مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعيض، ويجوز أن يكون للتعظيم، وعن قتادة أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه فقال: «اسقه العسل» فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فما نفع فقال: «اذهب واسقه عسلًا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك» فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال، وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله من أحوال النحل. {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعًا أنه لابد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه.
{والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يتوفاكم} بآجال مختلفة. {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ} يعاد. {إلى أَرْذَلِ العمر} أخسه يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل، وقيل هو خمس وتسعون سنة وقيل خمس وسبعون. {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم. {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بمقادير أعماركم. {قَدِيرٌ} يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفاني، وفيه تنبيه على أن تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم، ركب أبنيتهم وعدَّل أمزجتهم على قدر معلوم، ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ.
{والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق} فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك. {فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ} بمعطي رزقهم. {على مَا مَلَكَتْ أيمانهم} على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم. {فَهُمْ فِيهِ سَوَاء} فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم، فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها، ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق، على أنه رد وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم. فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه. {أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} حيث يتخذون له شركاء، فإنه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله، أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحهم، والباء لتضمن الجحود معنى الكفر، وقرأ أبو بكر: {تجحدون} بالتاء لقوله: {خَلَقَكُمْ} و{فَضَّلَ بَعْضَكُمْ}.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي من جنسكم لتأنسوا بها ولتكون أولادكم مثلكم، وقيل هو خلق حواء من آدم. {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أزواجكم بَنِينَ وَحَفَدَةً} وأولاد أولاد أو بنات، فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة، وقيل هم الأختان على البنات، وقيل الربائب ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين. {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} من اللذائذ أو الحلالات و{مِنْ} للتبعيض فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها. {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} وهو أن الأصنام تنفعهم، أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب. {وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام، أو حرموا ما أحل الله لهم، وتقديم الصلة على الفعل إما للاهتمام أو لإِيهام التخصيص مبالغة، أو للمحافظة على الفواصل.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ السموات والأرض شَيْئًا} من مطر ونبات، و{رِزْقًا} إن جعلته مصدرًا فشيئًا منصوب به وإلا فبدل منه. {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} أن يتملكوه أو لا استطاعة لهم أصلًا، وجمع الضمير فيه وتوحيده في {لاَ يَمْلِكُ} لأن {مَا} مفرد في معنى الألهة، ويجوز أن يعود إلى الكفار أي ولا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون شيئًا من ذلك فكيف بالجماد.
{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} فلا تجعلوا له مثلًا تشركونه به، أو تقيسونه عليه فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال. {إِنَّ الله يَعْلَمُ} فساد ما تعولون عليه من القياس على أن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون. {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فهو عليم للنهي، أو أنه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم دون نصه، ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون. ثم علمهم كيف يضرب فضرب مثلًا لنفسه ولمن عبد دونه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين}.
وصف الإلهين باثنين تأكيدًا وبيانًا للمعنى وقيل: إن اثنين مفعول أول وإلهين مفعول ثاني، فلا يكون في الكلام تأكيد {فإياي فارهبون} خرج من الغيبة إلى التكلم، لأن الغائب هو المتكلم، وإياي مفعول بفعل مضمر، ولا يعمل فيه فارهبون لأنه قد أخذ معموله.
{وَلَهُ الدين وَاصِبًا} أي واجبًا وثابتًا، وقيل: دائمًا، وانتصابه على الحال من الدين.
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} يحتمل أن تكون الواو للاستئناف أو الحال، فيكون الكلام متصلًا بما قبله: أي كيف تتقون غير الله، وما بكم من نعمة فمنه وحده {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والتضرع {لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتيناهم} اللام لام الأمر على وجه التهديد لقوله بعد: فتمتعوا فسوف تعلمون، فعلى هذا يبتدئ بها، وقيل: هي لام يحتمل أن يريد به كفر النعم لقوله: {بما آتيناهم} أو كفر الجحود والشرك لقوله: {بربهم يشركون} {فَتَمَتَّعُواْ} يريد التمتع في الدنيا، وذلك أمر على وجه التهديد.
{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمّا رزقناهم} الضمير في يجعلون لكفار العرب فإنهم كانوا يجعلون للأصنام نصيبًا من ذبائحهم وغيرها، والمراد بقوله لما لا يعلمون الأصنام، والضمير في لا يعلمون للكفار أي لا يعلمون ربوبيتهم ببرهان ولا بحجة، وقيل: الضمير في لا يعلمون للأصنام أي الأشياء غير عالمة وهذا بعيد {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} إشارة إلى قول الكفار: إن الملائكة بنات الله، ثم نزه تعالى نفسه عن ذلك بقوله: {سبحانه وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} المعنى أنهم يجعلون لأنفسهم ما يشتهون يعني بذلك الذكور من الأولاد، وأما الإعراب فيجوز أن يكون ما يشتهون مبتدأ وخبره المجرور قبله، وأن يكون مفعولًا بفعل مضمر تقديره: ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون، وأن يكون معطوفًا على البنات على أن هذا يمنعه البصريون، لأنه من باب ضربتني وكان يلزم عندهم أن يقال لأنفسهم.
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} إخبار عن حال العرب في كراهتهم البنات، وظل هنا يحتمل أن تكون على بابها، أو بمعنى صار، والسواد عبارة عن العبوس والغم، وقد يكون معه سواد حقيقة، وكظيم قد ذكر في [يوسف: 84]. {يتوارى مِنَ القوم} أي يستخفي من أجل سوء ما بشر به {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب} المعنى يدبر وينظر هل يمسك الأنثى التي بشر بها على هوان وذل لها، أو يدفنها في التراب حية، وهي المؤودة، وهذا معنى يدسه في التراب {مَثَلُ السوء} أي صفة السوء من الحاجة إلى الأولاد وغير ذلك من الافتقار والنقص {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} أي الوصف الأعلى من الغنى عن كل شيء، والنزاهة عن صفات المخلوقين.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ} يعني لو يعاقبهم في الدنيا {بِظُلْمِهِمْ} أي بكفرهم ومعاصيهم {مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا} الضمير للأرض {مِن دَآبَّةٍ} يعم بني آدم وغيرهم وهذا يقتضي أن تهلك الحيوانات بذنوب بني آدم، وقد ورد ذلك في الأثر، وقيل: يعني بني آدم خاصة.
{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} يعني البنات {أَنَّ لَهُمُ الحسنى} أي بدل من الكذب، والحسنى هنا قيل: هي الجنة، وقيل: ذكور الأولاد {وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} بكسر الراء والتخفيف من الإفراط: أي متجاوزون الحدّ في المعاصي، أو بفتح الراء والتخفيف من الفرط أي معجلون إلى النار، وبكسر الراء والتشديد من التفريط.
{فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم} يحتمل أن يريد باليوم وقت نزول الآية أو يوم القيامة {وَهُدًى وَرَحْمَةً} معطوفان على موضع لنبين، وانتصبا على أنهما مفعول من أجله: أي لأجل البيان والهدى والرحمة.
{نُّسْقِيكُمْ} بفتح النون وضمها لغتان، يقال سقى وأسقى {مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} الضمير للأنعام، وإنما ذكر لأنه مفرد بمعنى الجمع كقوله: ثوب أخلاق لأنه اسم جنس، وإذا أنث فهو جمع نعم {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} الفرث هي ما في الكرش من الروث، والمعنى أن الله يخلق اللبن متوسطًا بين الفرث والدم يكتنفانه، ومع ذلك فلا يغيران له لونًا ولا طعمًا ولا رائحة، ومن في قوله من بين فرث لابتداء الغاية {سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} يعني سهلًا للشرب حتى قيل: لم يغص أحد باللبن {وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب} المجرور يتعلق بفعل نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرها، ويدل عليه نسقيكم الأول أو يكون من ثمرات معطوف على مما في بطونها، أو يتعلق من ثمرات بتتخذون، وكرر منه توكيدًا أو يكون تتخذون صفة لمحذوف تقديره: شيئًا تتخذون {سَكَرًا} يعني الخمر، ونزل ذلك قبل تحريمها فهي منسوخة بالتحريم، وقيل إن هذا على وجه المنة بالمنفعة التي في الخمر، ولا تعرض فيها لتحليل ولا تحريم، فلا نسخ، وقيل: السكر المائع من هاتين الشجرتين كالخل والرب، والرزق الحسن: العنب والتمر والزبيب.
{وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} الوحي هنا بمعنى الإلهام، فإن الوحي على ثلاثة أنواع: وحي كلام، ووحي منام، ووحي إلهام {أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتًا وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} أن مفسرة للوحي الذي أوحي إلى النحل، وقد جعل الله بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع إما في الجبال وكواها، وإما في متجوف الأشجار وإما فيما يعرش بني آدم من الأجباح مفردها: جبح، والحيطان ونحوها، ومن المواضع الثلاثة للتبعيض لأن النحل إنما تتخذ بيوتًا في بعض الجبال، وبعض الشجر، وبعض الأماكن، وعرش معناه هيأ أو بني، وأكثر ما يستعمل فيما يكون من الأغصان والخشب {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} عطف كلي على اتخذي، ومن للتبعض، وذلك إنها إنما تأكل النوار من الأشجار، وقيل: المعنى من كل الثمرات التي تشتهيها {فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ} يعني الطرق من الطيران، وأضافها إلى الرب لأنها ملكه وخلقه {ذُلُلًا} أي مطيعة منقادة ويحتمل أن يكون حالًا من السبل، قال مجاهد: لم يتوعر قط على النحل طريق، أو حالًا من النحل أي منقادة لما أمرها الله به {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ} يعني العسل {مُّخْتَلِفٌ ألوانه} أي منه أبيض وأصفر وأحمر {فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} الضمير للعسل، لأن أكثر الأدوية مستعملة من العسل، كالمعاجين والأشربة النافعة من الأمراض، وكان ابن عمر يتداوى به من كل شيء، فكأنه أخذه على العموم، وعلى ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا جاء إليه، فقال: إن أخي يشتكي بطنه، فقال اسقه عسلًا، فذهب ثم رجع فقال: فقد سقيته فما نفع، قال فاذهب فاسقه عسلًا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه فبرأ.
{إلى أَرْذَلِ العمر} أي إلى أخسه وأحقره، وهو الهرم، وقيل: حدّه خمسة وسبعون عامًا، وقيل: ثمانون، والصحيح أنه لا يحصر إلى مدة معينة، وأنه يختلف بحسب الناس {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} اللام لام الصيرورة أي يصير إذا هرم لا يعلم شيئًا بعد أن كان يعلم قبل الهرم، وليس المراد نفي العلم بالكلية، بل ذلك عبارة عن قلة العلم لغلبة النسيان، وقيل: المعنى لئلا يعلم زيادة على علمه شيئًا.
{والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق} الآية في معناها قولان: أحدهما أنها احتجاج على الوحدانية، وكأنه يقول أنتم لا تسوّون بين أنفسكم وبين مماليككم في الرزق، ولا تجعلونهم شركاء لكم، فكيف تجعلون عبيدي شركاء لي، والآخر: أنها عتاب وذم لمن لا يحسن إلى مملوكه حتى يرد ما رزقه الله عليه كما جاء في الحديث: «أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون» والأول أرجح {أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} الجحد هنا على المعنى الأول إشارة إلى الإشراك بالله، وعبادة غيره، وعلى المعنى الثاني إشارة إلى جنس المماليك فيما يجب لهم من الإنفاق.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أزواجا} يعني الزوجات، ومن انفسكم يحتمل أن يريد من نوعكم وعلى خلقتكم، أو يريد أن حواء خلقت من ضلع آدم، وأسند ذلك إلى بني آدم لأنهم من ذرتيه {وَحَفَدَةً} جمع حافد قال ابن عباس: هم أولاد البنين، وقيل: الأصهار وقيل الخدم، وقيل: البنات إلا أن اللفظ المذكور لا يدل عليهم، والحفدة في اللغة الخدمة {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} الآية: توبيخ للكفار، وردّ عليهم في عبادتهم للأصنام، وهي لا تملك لهم رزقًا، وانتصب رزقًا لأنه مفعول بيملك، ويحتمل أن يكون مصدرًا أو اسمًا لما يرزق، فإن كان مصدرًا فإعراب شيئًا مفعول به، لأن المصدر ينصب المفعول، وإن كان اسمًا فإعراب شيئًا بدل منه {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} الضمير عائد على ما لأن المراد به الإلهية، ونفي الاستطاعة بعد نفي الملك، لأن نفيها أبلغ في الذم. اهـ.